أنواع الحسابات

موجة "الاستقالة الكبرى"... لماذا يستقيل الكثيرون في ظل جائحة كورونا؟
تم النشر في Jan 25, 2022

image

عندما بدأت الجائحة؛ جلبت معها العديد من المفاجآت؛ لكن التحوّل غير المتوقع للأحداث كان على الأرجح هو استقالة الأفراد من وظائفهم بشكل جماعي في الوقت الذي كان فيه العالم يمر بأزمة اقتصادية عالمية مصحوبة بمعدّلات تضخم غير مسبوقة؛ وقد أصبح ذلك يُعرف بـ "الاستقالة الكبرى".


وقد تم ابتكار هذا المصطلح من قبل أستاذ الإدارة في جامعة تكساس، أنتوني كلوتز، خلال شهر مايو الماضي، عندما توقّع أنه مع تعافي العالم من التداعيات المترتبة على الوباء، قد لا يشعر الموظّفون بسعادة كبيرة أو رغبة عارمة في العودة إلى مكاتبهم وإلى ساعات الدوام السابقة وما كانت عليه الأمور قبل الجائحة.

 

 ومع اضطرار العديد من الأشخاص للعمل من منازلهم بسبب إجراءات الإغلاق، فقد تمكّنوا أخيراً من قضاء وقت ممتع أكثر مع عائلاتهم بعيداً عن ضغوط العمل. ومع ذلك؛ فإن قلة من الاقتصاديين أخذوا توقّعات كلوتز على محمل الجد، خصوصاً بعد أن تم تسريح ملايين الموظفين في جميع أنحاء العالم من وظائفهم خلال الأشهر الأولى للوباء، في حين تم تخفيض أجور ورواتب البعض الآخر بشكل كبير، بالإضافة إلى وقف عملية التوظيف في معظم القطاعات.

 

وقد كان من المتوقّع أن تستمر هذه الحالة المروّعة طوال العام، وما فشل الاقتصاديون في رؤيته هو أن العديد من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً لم يشعروا بالرغبة في العودة إلى وظائفهم بسبب مخاوفهم من احتمالية أن يُصابوا بالفيروس الذي يقتل أعداداً كبيرة من الأفراد من نفس أعمارهم؛ وما شجّعهم على ذلك هو الشيكات التحفيزية التي حصلوا عليها والمبالغ التي استردّوها من الضرائب، حيث قرّر الأشخاص من مواليد هذا الجيل بأن الوقت قد حان للتقاعد المبكر. وقد أدّى هذا التغيير المفاجئ إلى خلق العديد من فرص العمل مما دفع الأفراد إلى عدم التردد في تقديم استقالتهم، وخاصة موظفي قطاعات التكنولوجيا والرعاية الصحية الذين وصلوا إلى منتصف حياتهم المهنية.

 

وفي أواخر أبريل؛ استقال عدد أكبر من الأشخاص من وظائفهم في الولايات المتحدة وذلك بنسبة أكبر من أي وقت آخر في التاريخ، وتزايدت الأرقام منذ ذلك الحين؛ حيث وصلت إلى 210 ألف فرصة عمل جديدة في شهر نوفمبر فقط. وفي دراسة حديثة أجراها موقع البحث عن الوظائف (Joblist) على 26 ألف موظف، فقد أظهرت أن 22٪ منهم استقالوا من وظائفهم، و73٪ يفكّرون في ترك وظائفهم الحالية.

 

ولا تقتصر ظاهرة الاستقالة الجماعية هذه على الولايات المتحدة فقط، بل تواجه الدول المتقدّمة الأخرى مشكلة مماثلة؛ حيث ستكون ألمانيا بحاجة سنوياً إلى 400 ألف موظف جديد ممن يتمتعون بالمهارات لسد الفجوة التي نشأت في الاقتصاد خلال العامين الأخيرين. أما بالنسبة للمناطق الأقل تقدماً في العالم؛ فالواقع كان أكثر سوءاً. فقد تبيّن أن شخصاً من كل ستة أشخاص يترك وظيفته في أمريكا اللاتينية، أما بالنسبة للموظفين في فيتنام فإنهم يقومون بترك المدن الكبرى للذهاب إلى القرى التي أسسها أجدادهم، أما الشباب في الصين فيفقدون شغفهم واهتمامهم بالعمل لدى كبار رجال الأعمال الذين يدفعون أجوراً ورواتب منخفضة.


وبخلاف التقاعد المبكر المذكور أعلاه؛ فإن سبب اندلاع ظاهرة الاستقالة الكبرى قد يكمن في حصول الموظفين على فرصتهم التي طال انتظارها لتحويل عدم التوازن في ديناميكيات القوة في سوق العمل لصالحهم. وتتمثل الشكوى الشائعة - والتي يتم تكرارها بين الموظفين الذين قدّموا استقالتهم - في عدم قيام الشركات بتوفير بيئات عمل تدعم الصحة النفسية. لكن العاملين في مجال التكنولوجيا والرعاية الصحية الذين بلغوا مرحلة المنتصف في حياتهم المهنية، وتركوا وظائفهم بحثاً عن فرص أفضل، هم السبب الرئيسي وراء الاستقالة الكبرى. وهذا يعني أن معظم الأشخاص يتركون وظائفهم لاعتقادهم بأنهم يستطيعون الحصول على فرص عمل أفضل.

وفي هذا الصدد قال كبير الاقتصاديين الأمريكيين في أكسفورد إيكونوميكس، جريجوري داكو: "أن هذه الاستقالات لم تكن بهدف الاستقالة وإنما بهدف الحصول على فرصة عمل أفضل ".


وبالرغم من الشعور الإيجابي الذي ينتاب الموظفين لتقديم استقالتهم خاصة بالنسبة للموظف العادي الذي يتقاضى راتباً شهرياً متوسطاً؛ إلا أن مواردهم المالية ستنفذ في النهاية وسيتعين عليهم وقتها التمسك بوظائفهم ولن تكون لديهم الرفاهية في تغييرها. ومع ذلك؛ فقد تستغرق هذه العملية بعض الوقت، بسبب عوامل الرفاه التي توفرها الاقتصادات المتقدّمة، على عكس الموظفين الذين يحصلون على رواتب منخفضة وامتيازات أقل؛ فأولئك لن يكونوا قادرين على اختيار الجهة التي يعملون لديها أو حتى اختيار وقت ومكان العمل.


وفي غضون ذلك؛ يتوقع الخبراء أن تبقى حالات الاستقالة ضمن مستوياتها العالية خلال عام 2022. وقد نرى أنه حتى المؤسسات والشركات قد تبتعد